٣- أنه مع القول بذاتية هذا النقد قيمكن أن نلمح في بعض الروايات التي مرت بنا آثار الموضوعية، فنجده نقدا معنويا في رواية أم جندب، ورواية النابغة مع حسّان، ونقدا لغويا في رواية طرفة، ونقدا عروضيا في الإقواء الذي عيب به النابغة في الحجاز, ومهما قيل عن آثار تلك الموضوعية وأبعادها فإنها لا تعدو إلا أن تكون نظرات جزئية محدودة ينقصها الشمول والاستيعاب، ويعوزها قواعد المنهج العلمي في التفكير، ومن ثمّ وُجد النقد الجاهلي:"غير مبني على قواعد فنية، ولا على ذوق منظم ناضج، إنما هو لمحة الخاطر، والبديهة الحاضرة"[١٠] وذوقه بدائي يتبع الشعر، وينساق وراء عاطفته.
٤- أنّ قلة هذا النقد راجعة إلى أنه لم يرد عن العرب إلا القليل أو أقله كما يقول محمد بن سلام الجمحي الناقد المتوفى سنة ٢٣٢هفي كتابه المعروف (طبقات فحول الشعراء) : "فقد حكى عن يونس بن حبيب: قال عمرو بن العلاء: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلُّه، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعرٌ كثير"[١١] .
ومما يؤكد هذه الحقيقة ما رواه ابن رشيق في العمدة مرفوعا إلى الخطيئة أنه سئل عن أشعر الناس، فقال: أبو دُؤَاد، حيث يقول:
فَقْدَ مَنْ رزُئْتُهُ الإعْدامُ!!
لاَ أَعُدُّ الإقْتَارَ عُدُماً ولَكِنْ
ثم يعقب ابن رشيق قائلا: وهواي أبو دؤاد، وإن كان فحلا قديما، وكان امرؤ القيس يتوكأ عليه، ويروي شعره، لم يقل فيه أحد من النقاد مقالة الحطيئه.." [١٢]
ومهما دار الأمر فإنّ شعر الجاهليين في حساب الزمن لا يجاوز قرنين من الزمان, فهل تناسب هذه المدة مع تراثها مع التاريخ الطويل للعرب قبل الإسلام؟ الأمر الذي يجعلنا بأن نقطع يده بسبب ضياع كثير من أشعارهم، ونقدهم..