وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال: يا محمد إن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيهزهن فيقول: أنا الملك أنا الملك..". يقول عبد الله رضي الله عنه:"فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الخبر، وقال: "{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ}" [٢] .
فها هنا أيضا أصابع مضافة إلى الرحمن يسمع رسول الله ذكرها فلا ينكره، بل يقره ويؤيده بتلاوة الآية..
فأي هذه الآثار الثابتة يجرؤ على التردد في قبوله عاقل؟.. وأي معنى غير الحقيقة يستخلصه من خلالها لغوي؟! وهل ثمة من مجال للكناية أو المجازة في هذا العرض الذي يزلزلنا برهبته؟!
إن ربنا في هذه الأخبار القاطعة يمجد نفسه، وله المثل الأعلى، وهو الحقيق بكل تمجيد، فيذكر بعض صفاته المعنوية التي يتفق على الإيمان بها المسلمون قاطبة، فأي فرق بينها وبين قبضه السموات والأرض بيمينه، وهو من صفاته الذاتية؟! إن بعض صفاته الأولى مما يطلق أيضا على بعض خلقه، فيقال: فلان ملك وعزيز وجبار ومتكبر..
ولكننا جميعا متفقون على أنها في المخلوق غيرها للخالق سبحانه. فعلام نختلف في شأن اليمين _ والأصابع _ فنقول إنها على الحقيقة اللائقة بكماله تعالى دون تكييف ولا تحريف، ويقول الآخرون إنها وإنها وإنها، حتى ليكادون ينتهون بها إلى غير شيء!.. ثم يكون حصيلة ذلك الرفض لحقيقة الصفات أن ينجرَّ أصحابه إلى تأويل كل صفة ذاتية لربهم ثبتت له في القرآن أو السنة الصحيحة، كما فعل المعتزلة بتأويل معظم صفات الله، حتى أوشكوا أن يشركوا النصارى في وصف ربهم بأنه "محبة".. أي أنه معنى لا ذات له!..