قال الحافظ ابن حجر:"وأما الشعر فكان نظمه محرما على الرسول عليه الصلاة والسلام باتفاق. قال الله عز وجل:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}[٢٠] .
قال: لكن فرَّق البيهقي وغيره بين الرجز وغيره من البحور فقالوا يجوز له الرجز دون غيره وفيه نظر فإن الأكثر على أن الرجز ضرب من الشعر وإنما ادعى أنه ليس بشعر الأخفش وأنكره ابن قطان وغيره وإنما جرى البيهقي ذلك لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين:"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب". فإنه من بحور الرجز ولا جائز أن يكون مما تمثل به - كما سيأتي - لأن غيره لا يقول أنا النبي، ويزيل عنه الإشكال أحد أمرين: إما أنه لم يقصد الشعر فخرج موزونا وقد ادعى ابن القطاع وأقره النووي الإجماع على أن شرط تسمية الكلام شعرا أن يقصد له قائله وعلى ذلك يحمل ما ورد في القرآن والسنة. وإما أن يكون القائل الأول قال أنت النبي لا كذب، فلما تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم غيره والأول أولى. هذا كله في إنشائه ويتأيد ما ذهب إليه البيهقي بما أخرجه ابن سعد بسند صحيح عن معمر عن الزهري قال لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من الشعر قيل قبله أو يروى عن غيره إلا هنا. وهذا يعارض ما في الصحيح عن الزهري أيضا لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات زاد ابن عائذ من وجه آخر عن الزهري إلا الأبيات التي كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبناء المسجد وأما إنشاده متمثلا فجائز يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أبالي شربت ترياقا أو تعلقت بتميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي" أخرجه أبو داود وغيره.
فقوله: "من قبل نفسي" احترازا عما إذا أنشده متمثلا فقد وقع منه ذلك كما ثبت في الأحاديث الصحيحة".