إذا علمت هذا عرفت أن الرسول الأمين لم يكن من أولئك الذين يقولون القصائد أو يجتذبهم حفظ الشعر ولا من الذين يتتبعون مواقعه ويغرمون بنغماته وتواقيعه.
كان الرسول الكريم ذلكم النبي الأمي بعيدا كل البعد عن مثل هذه الأمور لأنه مهيأ لسماع النغمات القدسية والألفاظ الربانية لسماع الوحي المعظم.
لذا لم يكن شاعرا وما ينبغي له. إذ رتبته التي هيئ لها أسمى المراتب على الإطلاق ومنزلته أعلى المنازل بالاتفاق.
القرآن الكريم وسر إعجازه
جرت العادة الإلهية في خلقه أن يبعث إلى كل أمة نبيا مؤيدا بمعجزة خارقة من جنس ما فاقت به تلك الأمة وامتازت به على غيرها من الأمم.
وحين ولد الهدى وآن لديجور الجاهلية أن ينجلي وحان لنور الإسلام أن ينبثق في قلب الجزيرة العربية مطاردا ظلمات الغواية. بعث الله تعالى نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في أمة امتازت بالبيان حيث مدت عليهم الفصاحة ظلها وأهدتهم بنات البلاغة حليها فكانوا ينبوع الفصاحة ودوحة البلاغة وكان جهابذة الفصحاء منهم أهل المكانة مرموقة ورتب مرفوعة.
فأيد الله نبيه وخليله بمعجزة القرآن فما إن تلاه عليهم ذلك النبي الأمي وطرقت آذانهم آياته وسوره حتى وقفوا مع فصاحتهم أمامه ذاهلين وأيقنوا أن البشر لا يقوون على النسيج على منواله ولا الإبداع على مثاله، هز قلوب بلغائهم نظمه ولم تقو فرسان البيان على مسابقته.
هناك وقف العباقرة أمامه حائرين لأنه من كلام العلي القدير كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
جاء القرآن بألفاظ عربية وتراكيب معهودة لدى المخاطبين فجاراهم في أساليبهم وخاطبهم بجنس ما يتخاطبون به بيد أن الذي استرعى انتباههم واستولى على مشاعرهم حتى أدرك الكثير منهم أنه ليس بقول الشعراء ولا سجع الكهناء وإن كان قد قالها بعضهم على سبيل العناد والمكابرة الذي استرعى انتباههم أمور نلخصها فيما يلي: