إن الجرجاني يريد أن يقول.. إنه إذا كان العرب الذي نزل فيهم القرآن قد تحدوا به فعجزوا عن الإتيان به – مع ما كان في جعبتهم من أدوات الفصاحة وألوان البيان.. فمن الطبيعي أن يكون ما بعدهم من الأجيال أعجز منهم، وما سوى العرب في ذلك منهم تبع لهم.. وفي الحقيقة فإن هذا الرأي قد سبق إليه الباقلاني ولكن الجرجاني لم يشر إليه..
بعد هذا التمهيد ينتقل الجرجاني غلي توكيد عجز العرب عن معارضة القرآن ولقد اتخذ إلى ذلك سبيلا ملموسا من واقع أحوالهم، ودلائل أقوالهم. فيقول:"وإذا ثبت أنهم الأصل والقدوة فإن علمهم العالم، فبنا أن ننظر في دلائل أحوالهم وأقوالهم حين تلي عليهم القرآن وتحدوا إليه، وملئت مسامعهم من المطالبة بأن يأتوا بمثله، ومن التقريع بالعجز عنه، وبتّ الحكم بأنهم لا يستطيعون ولا يقدرون عليه.. وإذا نظرنا وجدناها تفصح بأنهم لم يشكّوا في عجزهم عن معارضته والإتيان بمثله، ولم تحدثهم أنفسهم بأن لهم إلى ذلك سبيلا على وجه من الوجوه"..
ثم يتناول بالتحليل دلائل الأحوال فيقول:
"أما الأحوال فدلّت من حيث كان المتعارف من عادات الناس التي لا تختلف وطبائعهم التي لا تتبدل أن لا يسلموا لخصومهم الفضيلة، وهم يجدون سبيلا إلى دفعها، ولا ينتحلون العجز وهم يستطيعون قهرهم والظهور عليهم.