والثانية من صحابي منسي قل الحديث عنه، مع أنه ابن عم شقيق الرسول صلى الله عليه وسلم، وشبيهه في الخلقة والخلق، وهو أبو سفيان بن الحارث، غير أبي سفيان بن أمية حتى لا يشتبه الأمر على بعضنا لقلة معرفة صاحب القصة كما ذكرت إلا بكلمات في كتيبات، يقول أهل السِّيَر: كان أبو سفيان بن الحارث بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، أرضعته حليمة بنت سعد، وكان يألف رسول الله قبل البعثة، فلما بُعث عاداه أبو سفيان عداوة لم يعاد بمثلها أحد قط، فمكث عشرين سنة عدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويهجو المسلمين بشعره ويهجونه، ولا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نصر الله رسوله وتهيأ لفتح مكة، قال أبو سفيان بن الحارث: فقلت: من أصحب ومع من أكون؟ . قد ضرب الإسلام بجرانه، فجئت زوجتي وولديّ فقلت: تهيؤوا للخروج من مكة فقد أظل قدوم محمد، قالوا قد آن لك أن تبصر أن العرب والعجم قد تبعت محمدا وأنت موضع في عداوته كنت أولى الناس بنصرته، فأصاب قولهم موضعا في نفسي، فخرجت متوجها نحوه على قدمي نحوا من ميل، وكان قد نذر دمي، فتنحيت خوفا من أصحابه، فلما طلع في موكبه تصديت له تلقاء وجهه، فلما ملأ عينيه مني أعرض عني بوجهه إلى الناحية الأخرى، فتحولت إلى ناحية وجهه فأعرض عني مرارا، فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: أنا مقتول قبل أن أصل إليه، وأتذكر بره ورحمه فيمسك ذلك عني الخوف، وقد كنت أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سيفرحون بإسلامي فرحا شديدا لقرابتي برسول الله. فلما رأى المسلمون إعراضه عني أعرضوا عني جميعا، فلقيني أبو بكر معرضا عني، ونظرت إلى عمر فقال لي: يا عدو الله، أنت الذي كنت تؤذي رسول الله وتؤذي أصحابه، قد بلغت مشارق الأرض ومغاربها في عداوته، ورفع صوته واستطال عليّ، فدخل عليَّ عمي العباس فقلت يا عم قد كنت أرجو أن يفرح بي رسول الله بإسلامي لقرابتي وشرفي