وقد كان منه ما رأيت فكلمه فيّ ليرضى عني، قال: لا والله لا أكلمه كلمة بعد الذي رأيت إلا أن أرى وجها، إني أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهابه، فقلت يا عم، إلى من تكلني؟ قال: هو ذاك، فلقيت عليًّا فكلمته فقال لي مثل ذلك، فخرجت فجلست على باب منزل رسول الله حتى راح إلى الجحفة، وهو لا يكلمني ولا أحد من المسلمين، وجعلت لا ينزل منزلا إلا وأنا على بابه ومعي ابني جعفر قائم، فلا يراني إلا أعرض عني، فخرجت على هذه الحال حتى شهدت معه فتح مكة، وأنا في خيله التي تلازمه حتى نزل الأبطح، فدنوت من باب قبته فنظر إليّ نظرا هو ألين من ذلك النظر الأول ورجوت أن يتبسم، ودخل عليه نساء بني عبد المطلب ودخلت معهن زوجتي فرقَّقَته عليّ، وخرج إلى المسجد وأنا بين يديه لا أفارقه على حال، حتى خرج إلى هوازن في حنين فخرجت معه، وقد جمعت هوازن جمعا لم تجمع العرب مثله قط، فلما لقيتهم قلت: اليوم يرى أثرى إن شاء الله، فلما لقيناهم حملوا الحملة التي ذكر الله {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء وجرَّد سيفه، فاقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صلتا قد كسرت جفنه، والله يعلم أني أريد الموت دونه، وهو ينظر إليَّ لا يعرفني حيث لم يبد إلا عيناي، وأخذ العباس بلجام البغلة وأخذت بالجانب الآخر، فقال:"من هذا؟ "فقال العباس: أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث، فارض عنه أي رسول الله. قال:"قد فعلت، فاغفر الله له كل عداوة عادانيها"، ثم التفت إليَّ فقال:"أخي لعمري"، ثم أمر العباس فقال:"ناد يا أصحاب السمرة "(أي شجرة الرضوان) يا للمهاجرين، يا للأنصار، فأجابوا، لبيك داعي الله، وكروا كرة رجل واحد، قد حطموا الجفون وشرعوا الرماح وخفضوا عوالي الأسنة وأرقلوا إرقال الفحول، يؤمون الصوت صائحين، يا لبيك يا لبيك، حتى أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم رسول الله في نحور القوم ما يألوا ما تقدم،