للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في قصة الإنسان والعصيان.

ومن المؤسف أن بعض من يتصدرون المجالس والمجامع ليبلغوا عظة الله إلى عباده أن يقدموا إليهم قول الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُم} ، بصورة تفتح للشيطان بابا واسعا ليلج منه إلى نفوس من يسمعونهم، فهذا البعض المتحدث عن هذه الآية يكتفي بتقديم بشرى لسامعيه بأن الصغائر يمحوها ترك الكبائر، فهذا التفسير من حيث السطحية صحيح، ومن حيث فهم الكثير من مستمعيه فهو جد شنيع، حيث يظن أنه لا عليه إذا فعل الصغيرة لأنها تغفر تلقائيا ما دام اجتنب الكبيرة، فيندفع في معاصيه غير مميز بين الصغائر والكبائر مادام قد استثنى السبع الموبقات وما عداها مباح لا إثم عليه في نظره، لكنه لو فهم بأن الآية الكريمة تقرر المغفرة لما سبق من كلا الذنبين إلى يوم التوبة، وأن تحريم الصغيرة قائم ولو بعد التوبة من الكبيرة، وأن عليه وزرها ما لم تقع منه خطأ أو جهلا أو نسيانا وهو حريص على تركها، فيَجُبُّها ترك الكبائر وتغفر إن شاء الله، هنا يعلم أن ما حرّم حرام بأصله وفرعه، أما إن فهم المعنى بغير ذلك أو عملت الصغيرة ولكن فاعليها تقالُّوها غير مبالين، وحسبوها هينة، وأمرها عند الله عظيم فما أظنهم إلا سيزاملون صاحب الكفر الصريح في الآخرة، فيصبح الكافر وقد تأكدت له النار يرافقه المسلم إذا ارتكب الصغيرة باستهتار، ولدينا الوفير من أدلة قرآنية ونبوية يكفي عنها بعضها نقدمها إليكم، ونبدأ المثال بآية تثبت الحرمة في شيء يتصور الناس أنه لا عقاب مطلقا على فاعلها، فهي عندهم في قائمة الحلال أصغر من أن تذكرن وتلك هي الأكلة الشهية يستلذها فيرسل منها الكثير إلى جوفه حتى يَتْخَم، يقول عز من قائل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ، فما ذكرته الآية من أكل وشرب واضح أنه من مصدر حلال بدليل قوله تعالى: {وكلوا} ، فالله