للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يأمر بالفحشاء، ومع أنه حلال طيِّب فقد يتحول الآكل إلى مرتكب حرمة توقع العقاب إذا أفرط في الشبع، بنص نهاية الآية، {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} . فنفي الحب عن العبد من الله يؤدي إلى عقابه، وشبيه بهذا التعبير قوله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} ، فأهل العلم يقولون بأن نفي الحب يثبت البغض، ولا بغض دون أن ينال المبغض وبال أمره، مع التفاوت في مراتب العقاب حسب الذنب وبما يقضي به الله، فمَلء البطن وهو شر وعاء يُملأ كما ذكر صلى الله عليه وسلم صغيرة ليس لها مقياس عند الكثير من الناس، وقصة القطة التي يستوي في نظرنا أن تموت أو تعيش، هل كان دخول المرأة النار بسببها كما أخبر صلوات الله عليه إلا باستصغار حبسها، وهل كان عذاب صاحبي القبرين إلا باستصغار أحدهما لقطرة بول تنزل في سرواله أو لا يستتر منها، والثاني باستصغار كلمة وشاية يحرك بها لسانه بسهولة ابتلاع ريقه، وهل الذي أنبأ عنه المنبأ صلوات الله عليه بأنه حرم من عافية الله إلا لأنه استصغر المجاهرة والمجانة حيث لم تكونا من الكبائر عنده، ففي الحديث المروي عن البخاري ومسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره به، ويصبح يكشف ستر الله عنه"، والعجب أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أنهم من أمته، ومع ذلك أخبر بأن الله أبعدهم وحرمهم من عافيته {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} والآن أصبح أمر المجاهرة والمجون شيئا لا يفعل فقط على أنه صغير ليس بخطير، وإنما أصبح يباهى به ويفاخر، لقد حدث في صدر الإسلام أن البعض ظن عدم المانع من مقارفة بعض الذنوب ما دامت دعائم الإيمان راسخة عنده، فنزلت الآية تصحح خطأ الفهم وضرر ما ظنُّوه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا