وليسمع الثالثة {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} ، فالآيات في مجموعها هوت بقبضة الحجة البالغة على رؤوس هؤلاء الفسقة فأجهزت على إفكهم، فهم في الآيات الثلاث أرادوا التنصل من عاقبة إجرامهم وظنوا أن كلمة المشيئة درع وقاية لبغيهم، ذلك لأهم لم يعرفوا عنها إلا أنهم يخرصون بغير علم كما سمعنا الآن من القرآن، فحقيقة المشيئة جهلوها لما لم يعلموا أنهم أيضا لهم مشيئة وضعت فيهم يسألون عنها، يأخذون بها من الأمر ما يشاءون ويتجهون بها نحو الطيب أو نحو الرديء كما يريدون فلا قهر ولا جبر {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} فهو سبحانه وضع من مشيئته العظمى في الإنسان جزءا من المشيئة تكفيه، يفصل بها بين المحبوب الذي يفيد والمكروه الذي يؤذي، بعد أن جعله أعرف خلقه على الأرض لما يُحب ولما يُكره، وأظهر له بالحس واللمس الغي من الرشد، ثم ذكره بهذه المشيئة التي وضعها فيه وقدمها بلفظها في القرآن ليستعملها طائعا غير مكره، فقط له أو عليه عاقبة ما شاء {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر} ، فإن شاء الإيمان فله نعمه، وإن شاء الكفر فعليه خسرُه، ثم أعاد ذكرها مرات، وكررها ليقررها، حتى لا يقول الفاسق إنه سيق أو أرغم فكيف يعاقب على شيء إليه {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ