، لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} ، فإن كانت مشيئته التقدم سلِم، وإن كانت التأخر ندِم، ولهذا جاء بعد ذكر المشيئة قوله سبحانه:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ، ما دام الذي شاءوه كان اختيارا منهم وطواعية، لكن لكيلا يظن الإنسان وهو الكفور الغرور، أن مشيئته انفصلت عن المُشِيء الأعلى سبحانه، وليعلمه أنه المهيمن على ملكوته بالغيب والشهادة، ردّ الإنسان بمشيئته الصغيرة التي أعطاها له ليسأل بها عن عمله إلى مشيئته العليا العادلة المنظَّمة، فقال تعالى:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} ، عليما بأعمالكم تجاهها، حكيما فيما يقضي بنتائجها، فإذا ذهب الإنسان ولم يستعمل حرية التصرف التي أعطيت له وكان هو البادئ بطلب الشر راضيا، أفلا يكون له من نوع ما طلب ورضي؟، إن الواحد منهم يقبل عقاب حاكمه الدنيوي إذا خالف أمرا ظالما له، ولا يرضى بحكم المنزه عن الظلم إذا خالف أمره، فلا مصلحة له سبحانه في أن يظلم، وإنما جعل عاقبة الذي أساء السوأى بما سبق أن قدم واختار، فهو الذي اختار ولاية الشيطان وهو يعلم عداوته {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} ، وهو الذي اختار صحبة من أضله {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} ، وهو الذي اختار لنفسه أن تضر نفسه {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} ، وهو الذي اختار لها أن تزيغ {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ، فهؤلاء إذا أبسلوا بما كسبوا، وعوقبوا بما بدأوا به ورضوا فلم يضطروا ولم يقهروا، أفيكونون قد ظُلموا من أحكم الحاكمين؟، أم أن أمرهم كما قال سبحانه عنهم:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} ، فظلمهم الذي سبق بالمضي