بالفعل (كان) ، والمؤكد بالضمير وقوعه ومضيه معا، نفى بالقطع ظلم الله لهم لما جزاهم بسوء ما قدموا {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} ، فلم يستعملوا مشيئة الخير الكامنة في أماكن التعقل الثلاثة، القلب والعين والأذن، فأبطلوا استعمالها بما قال عنهم ربهم:{لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} ، لقد استعملها ابن الزبعرى السابق الذكر فاهتدى، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً} ، لما قال بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم:"وذكرت ما كنت فيه من الضلالة، واتباع ما لا ينفع ذا عقل من حجر يعبد ويذبح له لا يدري من يعبده ومن لا يعبده"، واستعمل حواس التعقل هذه ضال آخر فاهتدى أيضا، نحكي من أمره بقدر الناسبة، يقول الطفيل بن عمرو الدوسي، قدمت مكة قبل أن يصدع الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر ربه، فمشى إليّ رجال من قريش فقالوا لي: إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، قال: فوالله مازالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا، حتى حشوت في أذني كرسفا _ أي قطنا _ فغدوت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فسمعت كلاما حسنا، فقلت: واثُكل أماه، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان ما يقول حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت، فمكثت حتى أتى عليه الصلاة والسلام بيته فتبعته، فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف، حتى لا أسمع قولك، فأبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولا حسنا، فاعرض عليّ أمرك، فعرض عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولا قط