للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا فيما سبق إننا لا نفرِّق بين الكبائر الكافر وصغائره، فهو بكله أصبح جيفة نتنة، فلم يعد يصله بخالقه شيء حيث انقطع وانفصل، وليس لهذا النوع من الإنسان إلا أن ينالهم نصيبهم من الكتاب في هذه الدنيا، وعند لقاء ربهم يردُّون إلى أشدِّ العذاب بما ليس لهم منه فواق، أما المسلم وقد دخل مع الله في عهد يوم أسلم، فقد صار ملتزما بأوامر ونواهي محددة أخذ نفسه بها فيمسي منذ هذه اللحظة له صغائر وكبائر يعامل تلقاءها، أما الصغائر فقد سبق حديثنا عنها، وعن الكبائر الآن نتحدث، فنقول إنها نوعان، نوع يكفي فيه صحة التوبة وصدق الأوبة فتغفر برحمة من الله وفضل، كالغيبة والكذب وعقوق الوالدين وقطع الرحم وشبه ذلك، ونوع تتحتم فيه الحدود ولا يمحى أثره إلا بها، والنوعان موضحان في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِش} فكبائر الإثم عامة، والفواحش منها موجبات الحدود، والثاني هو ما أريده لأنهي به حديثي إن شاء الله، لأنه إذا لم يؤد ما في الآية من الاجتناب لكليهما فيتم في الأول حكم الله كما يريد ويقام في الثاني حدود الله كما أراد، ويكون ذلك في كل مجتمع ألزم نفسه بالإسلام، ورضي بالحد ليصلح به في أرض الإسلام ما اختل، ويطهر المجتمع الفاضل من كل منحل، فإذا ما اختل الأمن بقاتل أو سارق بانت الرأس وانفصلت اليد، فعاد الأمن إلى رؤوس الملايين ببضعة رؤوس قطعت، واطمأنت نفوس برزقها الذي في حرزها ببضعة أيد فصلت، وإذا ما خيف على العرض من فاسق لاط أو نال من إحصان، فيباد جرثوم الفسق ليبقى الارتباط الأخوي والاطمئنان الأسري نسبا وصهرا، ومن تدنأ بزنية أو قذفة أو خمرة فظهره والحبل اللادغ ليذوق حرقه ما فعل، فيمتنع من كان يريد أن يفعل، خاصة وقد شهده الناس عند إقامة الحد فأحس بأنه فضح بما هو أشد من الجلد، وهكذا كان لنا في الحدود وفي القصاص حياة نعيش فيها سالمين آمنين مِنَّة من الله لأهل دينه، فلا