جاء في فاتحته: قال الله جل ثناؤه: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} مجازه تأليف بعضه إلى بعض، ثم قال سبحانه:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه} مجازه فإذا ألّفنا منه شيئا فضممناه إليك فخذ به واعمل به وضمه إليك ... وهكذا يمضي في كتابه مسترشدا باستعمالات العرب وما أثر عنهم في أشعارهم وأساليبهم، وأدّاه هذا الاختيار إلى أن يتحدّث عمّا في الآيات من تشبيه وكناية وتقديم وتأخير وحذف وإضمار وتوسّع في تصور الخصائص التعبيرية، كالدلالة بلفظ الخصوص على العموم، وبلفظ العموم على معنى الخصوص، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، ومخاطبة الجميع مخاطبة الواحد، كما تنبّه في ثنايا ذلك إلى الصورة العامة للالتفات وإن كان لم يسمّه باسمه؛ يقول: ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد ثم تركت وحوّلت مخاطبته إلى الغائب، قال تعالى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} أي بكم.
والذي يقرأ كتاب أبي عبيدة يلاحظ أنه اختار الآيات التي تصوّر طرقا مختلفة في الصياغة والدلالة، متمثلا بما يشبهها من أشعار العرب وأساليبهم، وشارحا لما تضمنه من لفظ غريب أو معنى بعيد، وما كان أبدا يعني بكلمة مجاز المعنى الذي أراده البلاغيون؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية [٤] : (أول من عرف أنه تكلّم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه، ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة، وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية) .