أنا لا أستبعد أن تكون قد ندمت على ما فرطت في جنب الله، وأسفت على ما أسلفت، فآليت أن لا تعود لمثلها - كما قيل على لسانك - ولكن ندمك وأسفك لن يمحو وزرك الكبير أبدا أبدا، إلا أن تعلن بكل ما وسعك من وسائل الإعلام أنك كنت بما فعلت في ضلال، وأنك تشهد الله وعباده على أنك أقلعت عنه إلى غير رجعة، وستعمل على تكفيره بكل ما أوتيت من قوّة، رجاء أن يتداركك الله بعفوه ومغفرته، وما أدري إذا كنت قادرا على ذلك وجارئا عليه.. وحولك من الشياطين من لا يرى في جنايتك بأسا، بل لا يرى فيها إلا سابقة مشكورة إلى العمل الصالح!..
استمع يا شيخ محمود إلى واحدة من فضائل حملة القرآن: في معركة المرتدين من بني حنيفة أصابت المسلمين جولة بسبب اختلاط الطلقاء - ذوي الإسلام الحديث - بأهل السابقة العليا من المهاجرين والأنصار؛ فكان الرأي استبعاد الطلقاء عن مباشرة القتال، وتركه لتلاميذ النبوة الناضجين الصامدين، وعهد بلواء الإسلام إلى خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، فأراد إخوانه أن يلهبوا رجولته فذكروه قائلين: إن الناس إنما يؤتون من قبل راياتهم؛ فحذار أن نؤتى من قبلك، فدفن ساقيه في الأرض، وهو يقول لإخوانه:"بئس حامل القرآن أنا إن أوتيتم من قبَلي".
ذلك شأن حملة القرآن من سلف هذه الأمة، ثبات في وجه الكفر كثبات الأرض في وجه العواصف، وتصميم على التحقق بكل عزائم القرآن حتى الموت.
فقس بهذا الطراز يا شيخ محمود أولئك الذين لا يفقهون من حملهم للقرآن سوى أنه وسيلة للارتزاق، وسبيل إلى التنافس على الدنيا، والحصول على إعجاب الفارغين العاطلين من تلاميذ الشياطين!.