إن النفوس التي كانت إلى ساعة خلت تقاتل بأمر ربها، لإعلاء كلمته والدفاع عن رسالته، قد جذبت الدنيا أعنتها، فإذا هي تنصرف عن مطاردة العدو لتشغل بجمع الغنائم، فهيأت له بذلك فرصة الاستجمام، ثم أناحت له مجال العمل لتجميع فلوله..
ورأى خالد بن الوليد، وهو قائد ميمنة المشركين، ما عرض لجنود محمد -صلى الله عليه وسلم- من التشاغل، وكان يرصد الأمر عن كثب، يترقب ظهور مناسبة تمكنه من نجدة قومه، فإذا هو يدور من رواء الشعب ليفاجئ رماة المسلمين، وقد اختلفوا فيما بينهم، واندفع أكثرهم إلى معسكر قريش يشركون إخوانهم في الغنائم، فلم يبق منهم في مركز الدفاع إلا دون العشرة من المؤمنين، أبوا أن يفارقوا المكان الذي أمرهم رسول الله بالتزامه مهما تكن النتائج!..
ويشد خالد على بقية الرماة فيجليهم.. وينصب من هناك على مؤخرة المسلمين فيبغتهم بما لم يحتسبوا، ويبلغ صياح كتيبة خالد مسامع قريش المهزومة، فإذا هي تريد لتعمل في المسلمين تقتيلاً وتجريحاً!.
وحدث ما لا بد من حدوثه في مثل هذا الخلل المباغت، وإذا المسلمون تزلزل بهم الأرض وتضطرب السبل فلا يدرون أين يذهبون!..
إنهم الساعة يقاتلون بدافع من حب الحياة وحدها، فلا يدرون من يقاتلون وكيف يقاتلون.. فيقتل بعضهم بعضاً وهم لا يعلمون..