وجاءت الطامة الكبرى إذ علت صيحة في الناس تقول:"إن محمداً قد قتل.."، فتنهار أعصاب المسلمين وتمضي أعداد منهم تتخبط لا تدري أين تذهب بها مطاياها أو أقدامها.. وتتدافع قريش إلى ناحية الرسول - صلى الله عليه وسلم- يريد كل مشرك أن يكون له نصيب في قتله أو التمثيل بجثته!..، ويصيح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفلول المسلمين, وهو صامد في قلب الميدان كجبل أحد نفسه:"إليّ عباد الله.. إليّ عباد الله", وكان بحسب المؤمنين أن يصل صوت محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى أسماعهم حتى يثوبوا إلى رشدهم، كما يعود النور إلى المصباح بمجرد اتصال التيار.. وإذا ثلاثون من أبطالهم يعجلون لتلبية النداء, ثم يتحلقون حوله ليترسوا عليه بأجسامهم، فيذيقون قريشاً من لهيب الدفاع ما لم تجد مثله قط حتى في دفعة الهجوم الذي حطم صفوفها قبل النكسة..
كان عجب الصحابة بالغاً عندما رأوا (قزمان) في الصباح يشق جموع المسلمين حتى ينتهي إلى المركز الأول من مقدمتهم, بينما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يسوي الصفوف استعداداً للمعركة، وما كان أحد يعرف الدافع الذي بعث (قزمان) على الالتحاق بالمؤمنين، بعد أن أبى الخروج معهم منذ غادروا المدينة، وهم فضلاً عن ذلك يعلمون أن (قزمان) هذا لم يكن إلا واحداً من منافقي المدينة الذين جمعهم بغض الرسول والإسلام, فاستجابوا لكبير مجرميهم عبد الله بن أبي يتآمرون على المسلمين، ويؤلفون في داخل المدينة القوة المخرّبة التي يستند إليها كل محارب لله ولرسوله!..
على أنهم لم يستبعدوا أن يكون (قزمان) قد انشرح صدره للإسلام في هذه اللحظات الحاسمة، كما حدث لمخيريق اليهودي وغيره، ممن كانوا لساعات خلت في صفوف الكائدين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين، فإذا هم الآن في طليعة العاملين لنصرة الإسلام والمسلمين!..