وزاد عجب المؤمنين ما رأوا من بلاء (قزمان) وأثره في تحطيم قوة الوثنية، فلم يتمالكوا أن ينقلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – خبره, معجبين بهذه البطولة الرائعة، إنه أول من رمى بنفسه من صفوف المسلمين في غمرة المعركة، وهاهو ذا يرسل النبل كأنها الرماح، ثم هاهو يثخن في صفوف العدو فيقتل عدة من كبار أبطالهم، بينهم آخر حامل لراية الوثنية من بني عبد الداري، الذين تتابعوا في حمايتها واحداً بعد الآخر، حتى لم يبق منهم أحداً، فأقبل غلامهم (صؤاب) يرفعها فيقطع (قزمان) يمينه، فيضمها بيساره فيقطع يساره، فيضمها إلى صدره ببقية ذراعيه حتى سقط هو والراية..
فكانت الدائرة على الأعداء..
بيد أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لا يزيده خبر قزمان إلا توكيداً لما سبق أن وصفه به من قبل:"إنه من أهل النار"..
وما كان للمؤمنين أن يراجعوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فيما يقول، فهو أعلم بربه منهم، وأعلم بحقيقة قزمان من قزمان نفسه، ولكن هذا ما كان أيضاً ليمنعهم أن يتساءلوا في قرارة نفوسهم عن ذلك السر الذي يجعل قزمان من أهل النار.. وهو الذي يقدم كل هذا العون في سبيل الإسلام.
حقاً إنه لأمر مدهش ومحير!.
وصمد قزمان آخر النهار كما صمد أوله.. صمد يقاتل بعد الهزيمة، كما صمد في مقاتلة العدو قبلها، وما أن رآه مسلم في صموده هذا إلا أخذته الدهشة أن يكون مثل هذا البطل الجبار من أهل النار!..