للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلى قد يؤدي الحزن إلى مصرع المحزون ولا دخل للتحدث هنا عن الأجل، فقد عاتب الله رسوله في هذا قائلا له: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} ، أما ثاني الرجلين، فهو الرقيق الإيمان المهلهل البنيان، لأنه مع الخير والشر متلون كالحرباء، متقلب كنهار الخريف، يريد لنفسه كل شيء، ولا يعطي من نفسه أي شيء، ولا يكاد يصاب بأمر لا يروقه حتى يضيق صدره، وينطلق لسانه برذاذ التبرم وعدم الرضا بما قدر الله وقضى، بل قد يمرق نهائيا مما كان لديه من بقايا إيمان، فيصبح من أهل هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} ، إن رضيَّ البال هانئ الفؤاد رغم سحائب المصائب التي لم تنقشع عن رأسه، هو ذلك الفطن الذي علم بأن من المستحيل أن يحدث الله في كونه شيئا ما إلا لحكمة بانت أو غابت، وأنه ما فعل هذا به أو بغيره ليلعب بعباده أو يتلهى بلا أمر يريده {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} ، وأدرك هذا النابه بعقله الذي أوتيه، أنه حين يقبل أمر ربه راضيا، خير له من أن ينزل على أم رأسه كارها، فقد ملأ قلبه قول ربه: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} ، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} ، {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} ، {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَه} ، أي ومن يؤمن بحكمة القدر وليس على أنه فقط تقلباتٌ وغير نهد قلبه إلى ما يهدئه ويُسَكنه، ثم يصبره ويؤجره، وذلك ليذيقه