قطوف الحكمة التي اعتقد بالغيب مصاحبتها مع كل قضاء وقدر، وفي هذا يقول صلوات الله عليه بما رواه الترمذي وصححه "يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت بالمقاريض"وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيرا يصب منه " ففي هذا الحديث ظهرت الحكمة من إصابة المؤمن بأنها إرادة له بالخير، لكن ما هو هذا الخير؟ سيغبط المبتَلَى من المعافي كما في الحديث السابق، ولهذا كان من سمات معتقدي الحكمة في كل ما يبشر أو يكدر، أن الله نزع من قلوبهم حب الدنيا ليهون عليهم كدرها ورغبهم في الآخرة ليديم عليهم صفاءها، ولهذا لما ذكر وفد بني الأزد للنبي صلى الله عليه وسلم: أن من صفاتهم، الشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، أجابهم بقوله:"علماء حكماء"، ووعظهم إلى أن قال:"وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون" ذكره القسطلاني في المواهب وأبو نعيم في معرفة الصحابة، ونُكْتَةٌ جميلة أو لغز جميل، حتى لا يقال: إنكم معشر المصريين تدخلون النكتة حتى في أمر مهيب كالذي نحن بصدده، واللغز هو، اثنان لا يحاسبان يوم القيامة، ومع هذا فأحدهما إلى الجنة، والثاني إلى النار، والجواب سهل لأنه من كتاب الله، أما الأول فهو الصابر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وأما الثاني {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} بل إن الصابر فضل على الذي أوتي كتابه بيمينه، لأن الآية قررت دخول الصابر الجنة بغير حساب، والآخذ باليمين قالت عنه {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} ولو كان هو العرض كما فسره صلى الله عليه وسلم، لأنه عُرض على الله، وقبل دخول الجنة، والصابر تعرض له الله بعد دخول الجنة.