للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت لطيفة تصغي بكل جوارحها إلى هذه الموعظة، فلم تستطع أن تكتم دهشتها مما تسمع، وقالت لصاحبتها وهي تتطلع باتجاه القسم الشمالي من المسجد: انظري يا رضية.. ألا ترين؟..

_ ماذا؟..

_ هؤلاء الذين لا يرضون أن يُغادروا المسجد إثر فراغهم من الصلاة إلا بعد أن ينصرفوا إلى جهة القبر الشريف مطأطئي الرءوس، ناكسي الأبصار مكتفي الأيدي، يتمتمون بالدعاء والسلام على صاحبه!..

_ بلى.. وهذا ما أراه كل يوم وفي عقب كل صلاة من كثيرين من المصلين.. فماذا ترين في ذلك؟..

_ أرى.. أليس هؤلاء أفضل منا نحن الحمائم، وأعلم منا بما يجب عمله.. فلو لم يكن هذا حقا وخيرا لما أقبلوا على فعله..

ولم تتمالك رضية زفرة خفيفة حزينة، ثم عقبت على كلام صاحبتها: لم تستعملي عقلك جيدا في فهم ما ترين وتسمعين، بل استهواك هذا التصرف بما وراءه من حسن القصد فتقبلته دون تفكير..

قالت لطيفة في استحياء: لا تتوقعي مني أن أكون مثلك أنت جارة المسجد وتلميذة علمائه.. وعلميني مما علمك الله يا رضية..

_ بارك الله فيك يا لطيفة.. ونفعك بما تتعلمين. أول ما أذكِربِه هنا هو أن أفضلية الجنس البشري علينا نحن معشر الحمائم ليست مطلقة، فهم أفضل المخلوقات الأرضية دون شك، بما جهزهم الله به من وسائل لبناء الحضارة، وإقامة المدنيات، والقدرة على حل ألغاز الكون..

_ حقا.. حقا..

_ وهذه الأفضلية خاصة بالجنس الآدمي بالنسبة لغيره من الأجناس، ولكن..

_ ماذا؟..

_ ولكن كثيرين من هذا الجنس لا يحسنون استعمال قدراتهم الموهوبة، فلا ينتفعون بسمعهم ولا بصرهم ولا عقلهم..

_ حقا.. حقا..

_ فمثل هؤلاء لا يحققون أفضليتهم على أي جنس من المخلوقات الأخرى.. بل ربما هبطوا بجهلهم إلى مادون مستوانا نحن..

_ ما كان أجهلني لهذه الحقائق! ..