_ وهؤلاء الذين تستحسنين تصرفاتهم في أعقاب الصلوات إنما يفعلون ذلك تقليداً لغيرهم ممن لا يملكون علما ولا فقهاً..
_ هكذا إذن؟..
_ أجل.. لأن العلم _ كما سمعنا من أهله في حلقات هذا المسجد المبارك _ يلزم صاحبه بإتباع الدليل من كتاب الله وسنة رسوله وعمل السلف الصالح.
_ وما أجل شأن العلم!..
_ ولو هم رجعوا إلى هذه المصادر لما وجدوا مسوغا لما يفعلون، ولوقفوا عند حدود ما أمر الله ورسوله، بالصلاة والسلام على رسول الله حيثما كانوا وكلما ذكر..
_ زادك الله من فضله.. ولكن.. ألا ترين أنك لم تقطعي بموضوع الإقامة حتى الآن؟.. كيف تكون إقامتي في كنف أصحابي معادلة لإقامتك أنت في هذا الجو الذي يزودك بكل هذا الخير!..
وارتسمت على وجه رضية ابتسامة خفيفة لم يفت لطيفة معناها، ومست بمنقارها العقيقي أذن لطيفة، وجعلت تقول في لهجة أقرب إلى الهمس: سامحك الله.. ألم أبين لكِ وجوب الوقوف عند الحكم الشرعي دون تزيد ولا مغالاة!.. والحكم الشرعي يثبت أفضلية الصلاة ولا يعطي الإقامة أية أفضلية..
_ أوشكت أن أفهم..
_ أضيفي إلى ذلك أمرا هاما غفلنا عنه كلنا ويا للأسف!..
_ ما هو. حفظك الله!..
_ هو أننا بهذا المقام في المسجد قد عطلنا طاقاتنا الموهوبة، فلم ننفع أحدا، وأصبحنا عالة على كل أحد..
_ لم أفهم ما تقصدين..
_ تأملي يا لطيفة في كل ما يقع بصرك من أشياء هذه الدنيا تجدي أن كل واحد من هذه الأشياء يأخذ ويعطي.. وبهذا الأخذ وذاك العطاء يسهم في خدمة الحياة على قدر طاقته.
_ ما كان أبعدني عن هذا التأمل!..
_ أما نحن.. فكما ترين.. نأخذ كل شيء ولا نعطي شيئا.. ويا ليت سبيلنا وقفت عند هذه الحدود فقط.. بل إننا لنكافئ على الخير بضده في معظم الأحيان..
_ وكيف يكون هذا؟..
_ اسمعي يا لطيفة.. المسكن الذي تعيشين فيه ماذا تأخذين منه وماذا تعطينه؟..