وتمتمت لطيفة في استحياء ممزوج بالتعجب: لم أتوقع سؤالا كهذا قط.. فما أدري كيف أجيب عليه!..
_ حسنا.. لا تعجلي.. هل يوفر لك أصحابك وجباتك اللازمة من الطعام؟..
_ والشراب أيضا..
_ مقابل أي شيء؟..
_ الآن فهمت.. طبعا مقابل ما نقدمه لهم من لحومنا ولحوم فراخنا العزيزة..
_ إذن أنت تأخذين وتعطين!..
_ طبعا وأعطي أكثر مما آخذ..
_ تلك هي العدالة والكرامة يا لطيفة.. فتذكري بإزاء ذلك أن الناس يتخيرون لنا أفضل الحبوب، التي لا يكاد يحلم بمثلها الكثير من فقرائهم.. ويؤثروننا بالعذب النقي من الماء.. ثم لا نعطيهم أي شيء أبدا..
ورانت على الحمامتين المتناجيتين غمرة من الصمت.. حتى عادت رضية إلى الكلام فقالت وهي تغص بدموعها: والأسوأ من ذلك يا أختاه أننا نؤذيهم إي والله نؤذيهم.. بل نؤذي المسجد الطهور نفسه..
_ أعوذ بالله.. وكيف!..
_ بما ألقيه من زَرْقنا على سطح المسجد.. نلقيه دون تفكير بعواقب ما نفعل. حتى إذا جاءت رحمة الله بالغيث سالت الميازيب به. متحللا في ذلك الماء فيلقاه بعض الجهلاء بأفواههم، أو بأوعيتهم ليتبركوا بارتشافه، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
_ وي.. وي.. إنها لمضرة بالغة..
_ واذكري مع هذا ما نلقيه من ذلك الزرق خلال الحصى الذي ننقر عنه الحب، فما يكاد يختلط بماء المطر حتى يسرع في التخمر، ثم لا يلبث أن يطلق من الروائح ما نكاد نحن نموت منه اختناقا..
_ أعوذ بالله..
_ أجل.. هكذا يستحيل زرقنا سما لآناف المصلين وأفواههم يا صديقتي، في حين يكون زرقكم خيرا كله عند أصحابكم، إذ يجمعونه ثم يغذون به أطايب المزروعات والأزاهير، لتكون نعمة وبركة للإنسان والطير والحيوان على السواء..
وأثبتت لطيفة في وجه صاحبتها عينين تفيضان بالرضى.. وجعلت تتمتم ليت الحمائم كلهن يعلمن ما تعلمين.