وعلى رأيه هذا فلا مقاعد للسمع، ولا تَسمَع لأنباء السماء، بل هي الكناية التي تتسع لكل تأويل، ما دام الموضوع متعلقا بهذا المخلوق الذي سُمِيّ بالجن من ذرية آدم، فراح يزعم للمخدوعين به أنه ينقل إليهم أخبار السماء كذبا وزورا.. وأذن فلا سبيل أيضا لقبول فكرة (القرين) الموسوس في الصدور، لأنها تجعل الناس يعيشون في ظلام الأوهام وترقّب ما لا يقع في الحياة أبدا [٨] وفي ظني أن قليلا من التأمل في واقع الحياة البشرية كان كافيا لإقناع الدكتور بالإقلاع عن هذه الأحكام العجلى، فليس ثمة مكان من هذه الأرض خاليا من أولئك الدجاجلة الذين يبشرنا بانتهاء عهدهم. والقرآن العظيم في عرضه لأخبار ذلك النفر من الجن، وحوارهم حول التغيرات الفلكية التي واجهتهم بعد البعثة النبوية، لا يتنبأ بزوال تلك المحاولات الشيطانية، بل يعلمنا فقط بأنه تعالى قد حجز الشياطين عن استراق السمع، الذي يمكنهم من تلقف بعض الآي من القرآن لئلا ينقلوها إلى وسطائهم فيختلط الأمر على الخلق حتى لا يفرقوا بين أخبار الكهنة وبلاغات النبوة [٩] وأي دلالة على هذه الحقيقة أوضح من الذي يتحدث عن محاولات هؤلاء الشياطين حتى يقول: "فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون [١٠] وذلك هو الإفك الذي يشير إليه قوله تعالى في سورة الشعراء: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ. تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} وكذلك وصفه عزَّ شأنه لآكل الربا {كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} ٢/٢٧٥ هذا الوصف الذي حاول بعض المُحدثين صرفَه عن حقيقته، فأبي الله إلا أن يؤكده بما يلمسه الناس اليوم في (مناجاة الأرواح) وبما شهد ويشهده المتتبعون من تلبس الشياطين بعض الناس، حتى ليسمعون أصوات الجانّ من خلال أفواه ضحاياهم. ثم لا ينزعون عن هؤلاء المساكين إلا تحت ضغط