ويحق لنا أن نقابل تساؤله بمثله فنقول: أي فائدة للمسلمين وغيرهم في رفضك ما أجمع عليه أهل العلم بالقرآن، منذ الصدر الأول إلى يوم الناس هذا، عن إيمان بوجود عالم الجن مستقلا بعنصره وخَلقه ومميزاته؟ وهل بلغتَ من العلم حد الإحاطة بكل مغيَّب حتى يسوغ لك إنكار ما لم تره.. ودعوة القراء إلى مشاركتك في هذا الإنكار؟ لقد تلقت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خبر الجن بالتصديق المطلق، إيمانا بشهادة الله الذي يقول أنه خلق الإنسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، وإيماناً بشهادة رسوله الذي يقول:"خلقت الملائكة من نور، وخلق آدم مما وصف لكم"[١٥] أفتريدنا على أن ندع هذه الوثائق الإلهية لنأخذ بدعوى لا يسندها إلا الظن وما تهوى الأنفس!.
بين الوهم واليقين:
وإذا نحن مضينا معك في متاهات التأويل على هذا النحو فما الذي يعصمنا من ألاعيب الباطنية، التي تخلق لكل حقيقة قرآنية تفسيراً يدعم أخيلتها، ومن أضاليل الطرقيين الذين يفصلون بين الحقيقة والشريعة، ومن مخارق القاديانية والبهائية اللتين تسفهان فهم السلف لكل حقائق الوحي،. بل ما الذي يحول حينئذ بيننا وبين التسليم لأضاليل المهداوي الذي زعم في محكمته التاريخية أن الشيطان ليس شيئاً سوى نزغات النفس الناشئة في ظل الإقطاع؟. أو لمهازل ذلك الحاكم الذي ساقه الغرور أخيرا إلى رفض الخبر الإلهي عن نومة أهل الكهف، وراح يزعم أن رسول الله يدعو الناس إلى عبادته لأنه يبلغهم أمر الله بالصلاة عليه! وقد فات هذا المسكين أنه بدعواه هذه يكشف عن جهله بلغة العرب، وبالتالي يفضح عجزه العقلي والبصري عن التطلع إلى أنوار القرآن.