ويستجيب كبار المهاجرين والأنصار لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ويعدون عدتهم ثم يتطلعون للقيادة. ويتقدم الرسول ويقلد أسامة على حداثة سنه الإمارة ويسمع همسا خافتا أن غيره أولى منه بأمارة الجيش وأحق منه بقيادته.
وينادي الرسول صلى الله عليه وسلم نداء يحبس هذه الهمسات في الصدور فيقول "وأيم الله إنه لخليق بالأمارة وأن كان أبوه لخليقا بها.." ويتولى أسامة إمرة الجيش وينزل المسلمون على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الجيش لا يكاد يبدأ السير حتى يمرض الرسول وينتظر الجيش وأميره ليقفوا على الأنباء ولا يطول الانتظار فيلقى الرسول ربه.. ويؤول الأمر لأبي بكر.
وتظهر الهمسات المكبوتة وتصل إلى أبي بكر في رجاء من عمر أن يعزل أسامة ويولي غيره.. ولكن أبا بكر لا يعزل قائدا ولاه الرسول ويأمر الجيش بالمسير ويأمر أميره الشاب بالركوب ويأخذ أبو بكر بلجام فرس أسامة ويسير ماشيا ليغبر قدميه ساعة في سبيل الله حتى لا يبقى لمعترض إثارة من خوف وحتى يخرج الجيش إلى غايته وهو راض عن قائده.. وتضيع الهمسات على الشفاه فلا يسمع لها صوت ولا يتردد لها صدى.
ولقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك أبو بكر رضي الله عنه أن لأسامة غاية وثأرا، أما غايته فهي نشر راية الإسلام على ربوع الشام ورد كيد أعدائه.. وأما ثأره ففي مؤته حيث تخضب ثراها بدماء أبيه. ولذلك أمره الرسول أن يصل إليها ويقف على الثرى الذي روي بالدماء الزكية من أبيه ورفاقه في القيادة يستروح رائحتهم وهي عابقة بالمجد معطرة بالإيمان.
ولقد وقف أسامة موقف أبيه وجاء إلى البلد الذي استشهد فيها فأخذ له بثأره وردع من وقفوا في سبيل الدعوة الناشئة.. وانقلب بنصر حقق أمل الرسول فيه وأرضى أصحاب الهمسات وغيرهم ورسم لهم منهج الاعتماد على الشباب ووضعهم في مصاف القيادة إذا ما آنسنا منهم نضجا أو كانت لهم ثارات.