فإن بين أيدينا المنهج الكامل، والدستور القائم أبد الدهر، وإن أي خروج عليه أو انحراف عنه، يفسد علينا حياتنا {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الأنعام: ١٥٣.
ولا يخطرن في البال، أن المنهج الرباني الذي رسمه الله لنا، قد ألزمنا أن نكون آلات صماء، أو دمى تحركها الخيوط بحيث تلغى العقول والأفهام، فإن أمراً كهذا لا يكون من تدبير رب العالمين، الذي منح الإنسان عقلا ودعاه إلى النظر به في ملكوت السماوات والأرض، وجعل لهذا العقل مكانه وسلطانه في كيان الإنسان. يتعرف به الهدى من الضلال، ويميز به الطيب من الخبيث، والخير من الشر، والنور من الظلام.
ولقد رفع الإسلام من شأن العقل، ولفت ذوي العقول إلى عقولهم، ودعاهم إلى الانفتاح على موارد العلم والمعرفة.
وما حرم الإسلام ((الخمر)) إلا لأنها عدو راصد للعقل يغتاله، ويفسده، فلا يتمكن من التمييز بين خير وشر.. وهذا ما يشير إليه ربُّنا {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .. إنه لا فلاح أبداً لمن ضل عنه عقله، وغاب عنه وعيه.
العقل إذن هو عين الإنسان المفتوحة على هذا الوجود يتعرف بها إلى حقائق الكون، وسر الوجود، وعظمة الخالق، ويتهدَّي بها إلى الله، ويتعامل بها مع شرعة الوجود..
فهل بعد هذا يقال إن الإسلام الذي جعله الله تعالى جامعة رسالاته، والمصاحب للإنسانية على مدى الأزمان _ هل يعقل أن يخلي مكان العقل من هذا الدين؟ وكيف يكون حجة الله على الناس، إن لم تكن بين أيديهم الشواهد الشاهدة على أن هذا الدين هو دين الله، وأن هذا الكتاب هو كتاب الله، وأن الرسول الذي جاءهم به هو رسول الله؟ إنه لا سبيل إلى شيء من هذا إلا بالعقل السليم. القائم على النظر والاستدلال.