فمن زايله عقله، أو فارقه وعيه، فلا سبيل له إلى الإسلام والله يقول:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} وبأي وسيلة يكون تدبر آيات الله إن لم يكن العقل حاضرا أو قائما في كيان الإنسان؟!
يقول الإمام الغزالي: (اعلم أن العقل لا يهتدي إلا بالشرع، والشرع لم يتبين إلا بالعقل.. فالعقل كالأس والشرع كالبناء، ولن يغني أس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن أس؟ وأيضا، فالعقل كالبصر والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج، ولن يغنى الشعاع، ما لم يكن بصر، ولهذا قال الله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ} .
وليس من سبب جعلنا نتخلف عن هذا الركب الحضاري، ونتقاعس عن دفع تلك العجلة غير عوامل خارجية ألمت بعالمنا العربي، فأخمدت فينا شعلة المدنية، وأول هذه العوامل والأسباب ظلم أصابنا وبطش ألم بنا، وعنف أذل رقابنا في عهود خلت، ثم دعايات عبقرية مغرضة، وأدب وصحافة انحرفا في كثير من الحيان عن سواء السبيل، وعجزا عن تكوين رأي عام موحد قوي يستطيع مواجهة القوى المعادية في قالب من الوحدة الفكرية الصامدة.
ومن هنا تقاعسنا واهزمنا خلقيا ونفسيا، وأظلمت في نفوسنا منابع الحب والعدل والحق والحرية، وطغى على وجه هذا المجتمع الباسل العظيم روح الانهزامية والضعف والاستكانة وإذن ينبغي لنا أولاً: أن نتخلص نهائيا من جميع الأوهام والأضاليل والأكاذيب التي أشاعتها أوربا عنا وعن حضارتنا كذبا وبهتانا، ورددها للأسف جماعة من مفكرينا، سواء المأجور منهم أو الشعوبي أو الذين شرقوا وغربوا؟! فبلبلت الأفكار، ومزقت الأقطار.