وخامس هذه الأمور: يجب أن تنسخ دائما بدقة ووضوح، وإياك وأن تسرع في النسخ فإن هذه السرعة قد تجعلك في حاجة إلى الرجوع إلى الأصل مرة ثانية لتعرف قراءة كلمة أو لتعثر على كلمة أو جملة سقطت من النسخ، فإن الرجوع إلى الأصل يأخذ وقتا غير قليل وربما كان غير سهل ولا ميسر.
وقبل أن نخطو الخطوة الأخيرة أحب أن أنبهك إلى أمور حقيقة ألا تغفل عنها وجديرة أن تلاقي عناية منك ورعاية.
قد تلمع الفكرة أو الرأي في ذهنك وأنت تقرأ الكتب أو تدرس المسائل أو تنسخ النصوص.
وقد تترك القراءة الأولى لما تقرؤه انطباعات عميقة أو تهيج إثارات عاصفة. وقد تمر بخلدك خواطر تلمع كالبرق الخاطف لا تطول ولا تنتظر، ولا تدري كيف أقبلت ولا من أين جاءت.
كل أولئك يجب أن يكتب لحظة مجيئه في مكان خاص في إضبارتك دون ما تأجيل أو تريث، اكتبه قبل أن يفلت من ذاكرتك بأي أسلوب يجري به القلم وبأية عبارات تسبق إلى الذهن، وحين تعيد النظر فيه وتدرسه مع ما تدرس من معلومات جمعتها ونصوص نقلتها سيكون لديك متسع من الوقت لتعبر عنه بقوة وحسن بيان.
إياك وأن تستهين بمثل هذه الأشياء فقد تكون من أفضل ما اشتمل عليه بحثك وإياك وأن تظنها سهلة الصيد سهلة التذكر، فالخواطر العابرة والانطباعات الأولى والآراء اللماحة لا تزورك إلا مرة واحدة كردّ الطرف ثم هيهات أن تعود.
٦ _ كيف تكتب مسوّدة بحثك
الكتابة _ سواء أكانت علمية أم كانت أدبية _ موهبة وهبها الله بعض عباده واستعداد فطري فطر الله عليه بعض الناس. والمرانة الطويلة، والممارسة المستمرة، والقراءات الكثيرة الراشدة التي لا تنقطع، تصقل تلك الموهبة صقلا فتضيء، وتنمي ذلك الاستعداد الفطري فيزهر ويثمر.
من أجل ذلك لم تكن هذه الخطوة لتجعلك كاتباً مجيدا أو باحثا فصيح القول رائع البيان، وإنما كانت لتهديك سبيل الرشاد في البناء الخارجي للبحث وفي تخطيطه العام.