وأنت قد اطلعت على مراجع كثيرة مختلفة، ورأيت كيف تكتب المقدمات، وما الذي تشتمل عليه المقدمات، ورأيت تتابع فصول الكتب تتابعا مشوقا منطقيا بحيث يكون كل منها مبنيا على ما قبله وأساسا لما بعده، ولا شك أن اكتسبت من وراء ذلك قدوة حسنة وتجارب واسعة.
يجب أن يكون أسلوب كتابتك بعيدا عن التكلف، خاليا من الزخارف اللفظية والجمل المحفوظة المكررة.
ويجب ألا يكون مبتذلا مرذولا لا تكاد تفرق بينه وبين العامية إلا في إعراب أواخر الكلام.
ويجب أن تكون الكتابةُ خالية من الأخطاء النحوية والأخطاء اللغوية، فأنت ما درست النحو من أجل الامتحان، وإنما درسته ليكون صديق العمر كله.
وإن كبار الأدباء والعلماء يظلون طوال حياتهم يرجعون إلى معاجم اللغة في معاني الكلمات الصعبة وتعدية الأفعال بالحروف وصحة بعض التراكيب، فأنت حقيق أن تسير سيرتهم وأن تتبع خطاهم.
وإذا كانت الأخطاء النحوية والأخطاء اللغوية تعد عيبا منكرا، في كتابة الطلاب، فأي شيء نعدها في بحوث العلماء وفي رسائل الباحثين؟!!
إياك وأن تجعل مسوّدة بحثك التي تكتبها أول مرة هي النصَّ النهائي الذي تعلنه للناس.
فكثيراً ما يحدث أن يكتب الباحث صفحات من بحثه أو بعض فصوله، وهو يعيش حياة غير عادية، وفي أحوال نفسية وعاطفية غير هادئة ولا معتدلة.
وقد يكتب الباحث وهو كالٌّ تعِب، فيأتي بالغث الذي لا خير فيه، وقد يكتب مسوقا بالهوى والتعصب، فيكون بعيداً عن الحق والعدل، وقد يكتب عن رجل عظيم معجب به فلا يرى له إلا الحسنات.
ولهذا ولغيره يجب أن تترك مسوّدة بحثك الأولى فترة من الزمن كافية لتغيير الجو الذي كتبت فيه، ثم تعودَ إليها، ولكنك حين تعود يجب أن تقرأها قراءة مدرس إنشاء حاذق يسيء الظن بدفتر طالب ضعيف، اقرأها كأنما كتبها باحث غيرك، وقد طلب منك أن تقومها وتبينَ ما فيها من قوة وضعف ومن عمق وسطحية ومن صواب وخطأ.