إن المولى نفى استطاعه العدل بمعناه الشامل لميل القلب، ومالا يستطاع لا يكلف به إنسان قال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} لذلك بين القدر الكافي في براءة الذمة فقال: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة} أي لا نطلب منكم توخي العدل تماما في سائر النواحي فهذا ليس في طاقتكم وإن حرصتم ولكن عليكم بالقصد في كل أعمالكم، فلا تميلوا لواحدة ميلا كليا وتهملوا الأخرى كل الإهمال فتذروها كالمعلقة.
ومثل هذا ما رواه أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كانت له امرأتان ولم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط" فهذا الحديث يصرح بوقوع التعدد ولا يمانع فيه، إنما يمانع في الجور ويعاقب عليه.
قد يسأل بعض الناس ولم صدر المولى الآية بنفي الاستطاعة؟ فقال:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}
وأقول: إنما صنع ذلك لكي يثير المخاوف في قلب الإنسان حتى يفكر طويلا في شرط التعدد، ويتثبَّت من مقدرته على العدل بين الزوجات فلا يتسرع في الزواج بأخرى لشهوة طائشة أو رغبته جامحة أو وهم كاذب ينخدع به لفترة قصيرة ثم يستيقظ بعد فوات الأوان وسوء الحال، وليس معنى هذا أن الشارع يحرم التعدد. فما كان الله ليبيحه نصا، ويأتي به ابتداء في مستهل الآية ثم يأتي عقب ذلك في مقطعها بما يتناقص مع مطلعها.
إن أمر التعدد ورد في القرآن قبل أمر التفرد، وقد روي عن قيس بن الحارث قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "اختر منهن أربعا"رواه أبو داود وابن ماجة.