ليس هناك نص من الشارع يفرض على الوالد أن يأذن بالزواج على ابنته ونصوص الإسلام التي وردت توصي ببر الأهل، والإحسان إليهم بالقول والفعل وهذا كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم برا بفاطمة وإحسانا إليها، ومن حق كل بنت على أبيها أن يسرى عنها في مثل هذه الظروف العارضة، ويحاول بفطنته أن يجد لها مخرجا وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحتمل سوى هذا فقال:"إني لا أحرم ما أحله الله"أي لا أحرم التعدد الذي أباحه الله، ولكن إذا استؤذنت كوالد لفاطمة لا آذن بالتزوج عليها، وأرى _ ومن حق كل والد أن يعالج مشكلات ابنته على الوجه الذي يظن فيه الخير _ أرى أن يطلق ابن أبي طالب ابنتي ويتزوج ابنتهم ما دامت نفسه تطيب بذلك، وهذا الذي عرضه الرسول كان بعد أن قلب وجوه الرأي، وقد ارتآه عليه الصلاة والسلام خشية على بنته من أن تفتن في دينها وتقصر في حقوق زوجها، ورغبة أيضا في أن يفسح الطريق أمام علي إن قوى ميله إلى أخرى وأصر على الاقتران بها، ولا يعدو أن يكون هذا مجرد عرض أراد الرسول به أن يجد خلاصا لفاطمة، ويصرف _ بكياسة _ نظر علي عن أمر له في تركه سعة، ويثنيه على الجمع بين بنت رسول الله وبنت عدو الله ولم يرد أن يحرم ما أحله الله أو يحل ما حرمه، ولكيلا يتوهم الناس ذلك حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يقول صراحة، وبلهجة صارمة مؤكدة، كما في صحيح مسلم "إني أتخوف أن تفتن في دينها وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما".
بعد هذا البيان أرى أن الحديث يصدم أولئك الذين يزعمون أنهم أنصار المرأة بدعوتهم إلى منع التعدد، وحظر الطلاق. وذلك لأنه يبيح تعدد الزوجات ويسمح في ظاهره للرجل بأن يتزوج ما شاء إذا سمحت نفسه أن يتخلص من الأولى بالطلاق، وهذا _ كما هو واضح _ على عكس ما ينادي به هؤلاء.