فليفهم هذا أولئك الذين يرددون هذا الحديث وليعلموا أنهم بين أمرين لا مفر منهما فإما أن يرتضوا التعدد مع الجمع من غير طلاق وهو ما نذهب إليه وتؤيده النصوص، وإما أن يرتضوا التعدد إذا أصر الزوج عليه ويرتضوا بجانب ذلك تطليق الأولى أخذا بظاهر هذا الحديث.
إن الإسلام حين أباح التعدد أراد أن يتمشى مع ظروف كل إنسان، ويلائم الناس جميعا في كل زمان ومكان، ويعالج أدواء المجتمع علاجا سليما ويقضي على ألوان الفساد قضاء مبرما.
نظر إلى الناس فرأى منهم من يصلح حاله بواحدة، ومنهم من يحتاج لأكثر ودون ذلك يتعرض ويتعرض المجتمع معه لخطر المخادنة، فتعيش المرأة معه عيشة الحيوانات لا تربطه بها سوى اللذة البهيمية حتى إذا قضى وطره منها تركها وشأنها فريسة الأوهام والأحزان لا يعترف لها بحق ولا يقر لولدها ببنوة ولا يتكلف لها ما يتكلفه الأزواج لزوجاتهم، ولا يهتم بأولادها كما يهتم الآباء بأولادهم.
هنا سمح الإسلام للرجل _ مع تيقنه بالعدل _ بأن يتزوج إلى أربع ولم يكن له أن يقف في طريق ذلك أو يأباه وهو الدين الذي يحارب الزنا، ويقاوم الرذيلة، ويحافظ على النسل ويقضي على التشرد، وتلك كلها نتيجة حتمية لداء المخادنة فالمرأة التي لا تجد لنفسها ولا لولدها حقا معترفا به يسهل عليها أن تقدم على الانتحار، وترمي بثمرة جرمها في قارعة الطريق دفعا لعاره وتخلصا من أوزاره.
كذلك نظر الإسلام نظرة رحمة وإشفاق إلى من ابتلي بزوجة عقيم أو مريضة فأباح له أن يأتي بأخرى تحقيقا لهدفه من النكاح ورغبة في حصوله على النسل، ورحم الأولى فلم يفجعها بالطلاق وحرص على راحتها وهناءتها فاشترط لها العدل.
كذلك وضع في حسابه وفرة النساء وقلة الرجال أعقاب الحروب ففتح الطريق ليكون لكل جماعة منهن عائل يدخل السرور عليهن ويقوم على راحتهن ويتولى شئونهن، ويحقق بالعدل هناءتهن.