وأما الرجعية في لغو (التقدميين) و (الثوريين) قد فاتت المتقدمين والمتأخرين من أساطين اللغة, حتى جاء الدكتور البهي يستدرك عليهم بإسباغ هذه الحلة القشيبة على (الغابرين) ليجعلهم في مقابل (التقدميين) , ولعل ذلك مشجع بعضهم على تطوير آخر للكلمة يُلحقها - ذات يوم - باليمين في مواجهة اليسار، وما أحسب ذلك مما يسر فضيلته.
ولا مندوحة هنا عن التساؤل.. ما الذي حفز الدكتور الفاضل إلى إيثار (الرجعية) الدخيلة على (الباقين) العربية الأصيلة؟.. وهل ثمة من علاقة بين المعيبتين تُسَوّغ مثل هذا التوسع على طريقة البلاغيين ... ؟
أما أنا فلا ألمح في أي صلة بين الاتجاهين، لأن مفهوم (الرجعية) في معجم أصحابها يمثل نمطاً من الحياة يرتبط بقيم الماضي، في مقابلة (التقدمية) التي تقوم على تدمير كل الجسور المتصلة به.. فكيف استطاع الدكتور حفظه الله أن يغفل كل هذه التصورات الملصقة بالكلمة ليجعل منها تفسيراً (عصرياً) للكلمة القرآنية! ...
تعليل واحد يمكن له الاحتجاج به هو احتواء كل من الإيمان والكفر على نمط للحياة مضاد للآخر، بمعنى أن الإيمان منطلق القيم السعيدة المنسجم مع سنن الكون، في حين أن الكفر يمثل رأس المنحدر إلى هاوية الاضطراب والشقاء والضياع المنافي لنظام الوجود.. وإنه لتعليل معقول لولا حاجته إلى التفسير المقبول الذي يطهره من اللبس الذي يشد المصطلح إلى اللغو الثوري، ومثل الدكتور البحاثة المؤلف الكبير لا يفوته أن للكلمة - ذات الدلالة الاصطلاحية - ظلالاً هي التي ترسخ صورتها في الذهن، فما أن تمس السمع حتى تشيع صورها الخاصة على لوح الفكر.