ومن هنا كان إقبال الكاتب الإسلامية على استعمال المصطلحات الدعائية ذات الارتباط الصميم بالنظم غير الإسلامية أول بوادر الهزيمة، وأولى الخطى في الطريق إلى الفخ.. وإذا جاز لمفكر مؤمن تدوال مثل هذه الألفاظ في معرض الجدال أو البحث فلا عذر له البتة في إقحامها حرم المعاني الشرعية عند تفسير الكتاب الحكيم أو شرح الحديث الكريم.
أما النقطة الثالثة فهي أيسر من ذلك، ولكنها مع يسرها ترسم صورة غير مرضية لتساهل الدكتور بحق العربية على الأقل، ومعلوم أن الفرق غير قليل بين الفعل الثلاثي المجرد (أتى) والمزيد (آتى) فبينما الأول يتعدى إلى مفعوله الثاني بالباء ليفيد المجيء والإقبال مع المصاحبة، نرى في قوله تبارك اسمه:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي}(الحجر: ٨٧) , هذا إلى ما في التعبير الإلهي {وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقّ}(الحجر: ٦٤) , من لطائف مناسبة لسياق القصة تُحمِل الفعل (أتى) شيئاً من معاني النجدة التي بشر بها الملائكة نبي الله لوط، إذ استنكر أمرهم فطمأنوه بقولهم:{.. جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ}(الحجر: ٦٣) , أي بالعذاب الذي كان يهدد به قومه فلا يبالون وعيده بل يستمرون على فسوقهم مصرّين مكذبين.
ولهذا يردفون البشرى بتوكيدها {وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقّ..} , وقد سمى الله جلت حكمته العذاب هنا بالحق لتضمنه معنى العدل والحسم الذي سيقطع دابر القوم الظالمين, ونحن لا نستطيع استيعاب الصورة التي يرسمها الفعل الثلاثي المقترن بالباء (أَتيناك بالحق) إلا عندما نتصور سريّة من المجاهدين مثلاً قد أحاط بهم العدو، وضيق عليهم المنافذ، وإذا هم يتلقون بشرى وصول النجدة وإحاطتها بالعدو من كل صوب.. وبذلك نعلم أن مجرد زيادة المدة على أول الفعل مؤدٍ إلى تحوير في بلاغة الجملة القرآنية ولا يأتلف مع السياق في قليل ولا كثير.