ولعل أفضل الأقوال في ذلك أن هذه النفوس تمثل الطاقات التي أودعها الخالق جلت حكمته أعماق هذه النفس لتدفعها إلى التفاعل لعمران الحياة، فالأمارة بالسوء هي منطق الرغبات الشريرة على حين تمثل الأخريان الرغبات الخيرة فإذا اندفعت الأمارة في الطريق الأدنى دون نظر في العواقب، تعرضت لها اللوامة تشدها إلى الاتزان، وتبصرها بالأخطار المتوقعة من ذلك، فإما أن تفلح في جهودها فتكبح جماح الأمارة وتخضعها لأوامر الله، فينتهي الأمر بالإنسان إلى كنف المطمئنة، وإما أن تخفق في علاجها وتلقي إلى الشيطان بزمامها، فيكون الشقاء الغامر في الدنيا والآخرة.
ولكن هل يعني أن ذلك الصراع الداخلي سيخفت نهائياً بانتصار أحد الفريقين؟..
أما أنا فلا أتوقع ذلك لأن إبقاء هذا الصراع ملازم لبقاء الحياة البشرية نفسها، وإنما يخمد حينا ويلهب حيناً, وفي الحديث الصحيح "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم". [٧]
وشيء آخر لا مندوحة عن تقديره وأخذه في الحسبان عند تقييم الحياة والإنسان، ذلك أن تصفية النفس البشرية من كدورات التراب مطلب غير متصور في الحياة الدنيا، وكل ما على الإنسان هنا أن يجاهد نفسه بضبطها في نطاق المسلك الشرعي، وأن يكون على حذر من شططها، فيقدعها كلما حاولت التلفت، ويرفعها كلما همت بالهبوط، حتى يخلص إلى المصير الموعود في رحمة الله، حيث يطهر سبحانه من كل غل، وينزه نفسه حتى من خواطر السوء.