والجواب على ذلك: أن المفسرين يحرصون على ذكر هذه المناسبات، ليظهروا للناس كلهم وخاصة من عنوا بالدراسات القرآنية ما في هذا الكتاب العزيز من أحكام وترابط وانسجام وتآلف فهو:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}(هود:١) . أي أنه منظم رصين، متقن متين، لا يتطرق إليه خلل لفظي ولا معنوي, كأنه بناء مشيد محكم، يتحدى الزمن, ولا ينتابه تصدع ولا وهن، مصداقاً لقول الله فيه:{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ, لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[١٢] .
وإذا كان الأمر على ما ذكر فإنه يلزم أن تكون هناك مناسبات وعلاقات بين الآي والسور القرآنية، ويتحتم أن يكون هناك ترابط وانسجام وتآلف بين كل آية وسابقتها ولاحقتها، وكل سورة وسابقتها ولاحقتها كذلك، لأنه كلام الله المعجز للبشر الذي أعجز الفصحاء والبلغاء بأسلوبه الفذ، وأعياهم عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}[١٣] .