يأمر الله - جلّ في علاه - رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتلو على الناس عامة وأهل الكتاب خاصة, ذلك النبأ العظيم، نبأ ابني آدم, تلاوة متلبسة بالحق, مظهرة له، لأنها من عند الله عالم الغيب والشهادة, مبينة لغرائز البشر وطبائعهم وأنهم جُبلوا على التباين والاختلاف, الذي يفضي إلى التحاسد والتقاتل، ليعلموا الحكمة فيما شرعه الله من عقوبات رادعة للبغاة الظالمين, الذين يحاربون الله ورسوله, ويسعون في الأرض فساداً، وليعلم أهل الكتاب صدق محمد صلى الله عليه وسلم, وذلك لاشتمال كتبهم على هذه القصة، وهو لم يطلع على هذه الكتب، فتعين أن يكون علمها عن طريق الوحي، فتقوم بذلك الحجة عليهم ويعرف الجميع أنهم ضلوا على علم، وجحدوا عن بينة.
وخلاصة نبأ ولدي آدم أن كلا منهما قرب لربه قرباناً، فتقبل من أحدهما, لتقواه وإخلاصه وطيب نفسه بما قدم، ورفض قربان الآخر لأنه كان على العكس من ذلك كله، عندئذ ثارت ثائرته ودب الحسد في قلبه، وحمله على البغي والعدوان فقال مهدداً ومتوعداً أخاه الذي تقبل الله قربانه:{لأَقْتُلَنَّكَ} فأجابه بقوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} أي: إنما يتقبل الله الصدقات وغيرها من الأعمال, القبول الحسن المقترن بالرضا والمثوبة من عباده المتقين المخلصين.
فهذا الجواب يتضمن بيان سبب قبول قربان أحدهما ورفض قربان الآخر، وكأن هذا الابن البار يقول لأخيه: إنني لم أرتكب ذنباً في حقك لتقتلني، فإن كان الله تعالى لم يتقبل منك، فارجع إلى نفسك فحاسبها على السبب، فإنما يتقبل الله من المتقين الذين يتقون الله ولا يقعون في المعاصي, فاحمل نفسك على تقوى الله, والإخلاص له في العمل، ثم تقرب إليه بصالح الأعمال فإنه عندئذٍ يتقبل أعمالك, ويرضى عنك، ويجزيك خيراً [٢٣] .