ثم بين الابن البار لأخيه الحاقد حقيقة أخرى هي حرمة إراقة الدماء فقال:{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} أن يراني باسطاً يدي إلى الإجرام وسفك الدم بغير حق، فإن ذلك يسخطه ويوجب عقابه ونقمته؛ لأنه رب العالمين الذي يغذيهم بنعمه ويربيهم بفضله وإحسانه، فالاعتداء على أرواحهم أعظم مفسدة لهذه التربية.
وهذا الجواب من الأخ البار التقي يتضمن أبلغ موعظة، وألطف استعطاف لأخيه الحاقد العازم على إراقة الدم بغير حق, ثم يواصل الابن البار نصح أخيه وإرشاده عله أن يرعوي ويعود إلى رشده، فكيف عن تهديده وتوعده له بالقتل، مذكراً إياه بعذاب الآخرة فيقول:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} .
قال الفخر الرازي:"كيف يعقل أن يبوء القاتل بإثم المقتول مع أنه تعالى قال: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(الأنعام: الآية: ١٦٤) .
والجواب من وجهين:
الأول: قال ابن عباس وابن مسعود والحسن وقتادة - رضي الله عنهم - معناه: "تحمل إثم قتلي، وإثمك الذي كان منك قبل قتلي".
والثاني: قال الزجاج: "معناه ترجع إلى الله بإثم قتلي، وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك" [٢٤] .
وهناك وجه آخر في الجواب, وهو أن القاتل يحمل في الآخرة إثم المقتول إن كانت له آثام، وذلك يعارض قوله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ؛ لأن تحمل القاتل لآثام المقتول إنما هو بسبب قتله له، فالقاتل بهذا لا يحمل إلا أوزار نفسه.
ونلاحظ من هذه المواقف أن الأخ التقي البار قد ترقى في نصح أخيه الحاقد وصرفه عن عزمه على النحو التالي:
١ – بين له أنه أُتيَ من قبل نفسه لعدم تقواه {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} .