وقد اختلف أهل العلم في ابني آدم المذكورين، هل كانا لصلبه أو لا؟ فذهب الجمهور إلى الأول، وذهب الحسن والضحاك إلى الثاني، وقالا: إنهما كانا من بني إسرائي، فضر ب بهما المثل في إبانة حسد اليهود، وكانت بينهما خصومة فتقربا بقربانين، ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل، والحق أن هذا كلام بعيد عن الصواب.
قال ابن عطية:"وهذا وهم، أي من الحسن والضحاك إذ كيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب في ذلك"[٢٧] .
ولكن ما هو سبب تقديم ولدي آدم عليه السلام لهذين القربانين، وهو قربان كل منهما؟ وكيف علما أنه تقبل من أحدهما دون الآخر؟ وكيف تم تنفيذ هذه الجريمة وهي الأولى من نوعها على ظهر هذه الأرض؟ ومتى وأين وقعت؟ وما هو اسم كل من هذين الاثنين؟
أسئلة كثيرة لم يعطها القرآن أدنى اهتمام، لأنه لا تتعلق بها فائدة، وإنما ركز القرآن على مواطن العظة والاعتبار التي تفيد البشرية المعذبة لو أنها أرادت لنفسها الهداية والاستقامة على الطريق بتطبيق شريعة الله.
ولكن المفسرين قد أثاروا بعض هذه الأسئلة، وذكروا الإجابة عليها أقوالاً عديدة، واستندوا إلى روايات لا تعلم صحتها وجلها منقول عن أهل الكتاب:
فمثلاً يقول صاحب روح المعاني:"أخرج ابن جرير عن مجاهد وابن جريج أن قابيل لم يدر كيف يقتل هابيل، فتمثل له إبليس اللعين في هيئة طير فأخذ طيراً فوضع رأسه بين حجرين فشدخه فعلمه القتل، فقتله وهو مستسلم"، ويقول كذلك:"واختلف في موضع قتله، فعن عمرو الشيباني عن كعب الأحبار أنه قتل على جبل دير المران، وفي رواية عنه أنه قتل على جبل (قاسيون) وقيل: عند عقبة حراء, وقيل: بالبصرة، في موضع المسجد الأعظم"( [٢٨] ) .