للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتقوى وهي خوف ما عند الله من عقاب, ورجاء ما عنده من ثواب، شيء محتم أن يلازم المؤمن طول مقامه في الدنيا، والتجرد منها مهلكة مؤكدة، لهذا قالت الآية بعد ذلك: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ, أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} (البقرة: ١٨٤) , ذلك لأن التقوى تقاوم على الدوام، وبأشياء عدة تقوم على ركيزتين، شهوة الإنسان ونزعة الشيطان، وهما مع العبد طول السنة في مدافعة مستمرة، فمرة تغلبها التقوى ومرة يغلبانها؛ لأن البطن يطلب الطعام في أي وقت من ليل أو نهار، فتجده حاضراً من حلال أو من حرام لتمتلئ به معدته، والفرج يظل يطلب الشهوة لأن البطن غذاه وأمده، والشيطان طليق يزين الأمرين فوق ما يغمز وينزع، والتقوى مع هذا كله ترتفع مرة وتنخفض مرات في أغلب أمرها، أما في رمضان فجاءت (لعل) برجائها مصاحبة لكلمة التقوى، حيث المرجو أن تكون التقوى في أقوى أيامها وأعز مواسمها، لما وهنت مقاومة الشهوة بقلة المدد من الطعام والشراب، ووهنت مقاومة الشيطان لما صُفّد نوعه المريد، فخلا الجو للتقوى يعلو بها الصائم على رغائبه السفلى، والتي طالما أخضعته لها، فقد زكته تقواه وأدنته من الله ويستمر يهنأ بحاله الرباني هذا أياماً معدودات هي أيام رمضان، فتمناه العام كله حيث انتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة، فهل فهم صائمو اليوم ذلك لعلهم يتقون أياماً معدودات يحصلون بها ما يزيد عن عديد السنوات؟