أما العبادة بالمعنى العام. . فإنها تعني السير في الحياة ابتغاء رضوان الله، وفق شريعة الله. فكل عمل يقصد به وجه الله تعالى، والقيام بأداء حق الناس استجابة لطلب الله تعالى بإصلاح الأرض ومنع الفساد فيها، يعد عبادة, وهكذا تتحول أعمال الإنسان مهما حققت له من نفع دنيوي إلى عبادة إذا قصد بها رضاء الله [١٤] .
فالعبادة ما تكاد تستقر حقيقتها في قلب المسلم، حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وحركة وبناء.
عبادة تستغرق نشاط المسلم.. بخواطر نفسه، وخلجات قلبه، وأشواق روحه، وميول فطرته، وحركات جسمه، ولفتات جوارحه، وسلوكه مع الناس..
وبه ذا الاستغراق، وهذا الشمول يتحقق معنى الخلافة في الأرض في قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأََرْضِ خَلِيفَةً..}[١٥] .
لأن الخلافة في الأرض هي عمل هذا الكائن الإنساني.. وهي تقتضي ألواناً من النشاط الحيوي في عمارة الأرض والتعرف إلى قواها وطاقاتها وذخائرها ومكنوناتها، وتحقيق إرادة الله في استخدامها وتنميقها، وترقية الحياة فيها.. كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض، لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام..
ومن ثم يتجلى أن معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني، أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى.. أوسع وأشمل من مجرد الشعائر, وأن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعاً..
وإن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين:
الأول: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس, أي استقرار الشعور على أن هناك عبداً ورباً.. عبداً يُعبد.. ورباً يُعبد.. وأن ليس وراء ذلك شيء, وأن ليس هناك إلا هذا الوضع، وهذا الاعتبار, ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود، وإلا رب واحد، والكل له عبيد..