وفي الحج تدريب على حياة الجندية وتحمل المشاق. واذكر أني قرأت خاطرة للدكتور جعفر شيخ إدريس في عدد من مجلة (المسلمون) ، وخلاصة هذه الخاطرة أن الحج أشبه ما يكون بالمناورات الحربية، فهذه اللقاءات الخاطفة والوجبات الخفيفة والحركات السريعة والخيام المضروبة والتوقيت الدقيق والحرص على إصابة الهدف ثم انقضاء المهمة والشوق إلى الأهل والحنين إلى لقائهم، هذا كله يذكر بالمناورات الحربية والتدريبات العسكرية، وهو ما أدركه العسكريون، واعترفوا به، ولم يكونوا يومها يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الحج جهاد لا قتال فيه"[٧] في كل ذلك تربية على حياة التقشف ودربة ومران على تحمل المشقات والتحلي بالأخلاق القوية الفاضلة. والمسلم لابد له أن يدفع ضريبة الجهاد في سبيل الله طيبة بها نفسه، فدينه دين جهاد وتضحية وفداء لا دين دعة ووداعة ودعوى، فهو يأمر إتباعه أن يبتعدوا عن الحياة الهشة الناعمة التي لا تكسب المرء إلا الترهل والغفلة وموت الضمير، وأن يتعشقوا حياة الجد والجهاد والجود والحركة الدؤوبة التي لا تهدأ أبداً، دفاعاً عن دين الله ضد العدو الطامع فيهم المتربص بهم.
وإن كان الحج جهاداً لا قتال فيه فإن هناك إخوة لكم مدججين بالسلاح يمسون ويصبحون فيه رابضين كالأسد الضواري مرابطين كأروع ما يكون الرباط في عديد من أراضي المسلمين المحتلة. نسأل الله تعالى أن يثبت أقدامهم، وينصرهم على عدوهم فتعود إلى المسلمين أرضهم السليبة وأقداسهم المطهرة الشريفة.