وإذا نظرت إلى الإحرام وجدت فيه من الحكم والإسرار والفوائد ما يجعله منهجاً تربوياً فريداً في بابه عظيماً في آثاره، فهو نية في القلب قبل أن يكون تجرداً من المحيط والمخيط، وهو إقبال على الله تعالى قبل أن يكون قدوماً للبيت الحرام.. فيه إذن إخلاص العمل لله تعالى والبعد عن الرياء والسمعة من ناحية الباطن وفيه الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الظاهر وهناك تلازم بين الظاهر والباطن، وترابط بين المادة والروح وهذا ما يميز الإسلام عن المسيحية الروحانية واليهودية المادية، فهو دين الكمال ودين الفطرة قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}[١٠] والسجود مثلاً معنى من المعاني وهو الخضوع ولكن لا بد من وضع الجبهة والأنف على الأرض ليكون أبلغ في الدلالة، وأوضح في الإشارة وهكذا.. الإحرام هو النية والنية محلها القلب ومع هذا لا بد من التجرد والالتزام بالشروط ليكون دائم الذكر حاضر القلب شديد الحرص، وبهذا يرتفع العمل، ويقبل، ويثاب عليه لأنه جمع شرطي القبول وهما الإخلاص والصواب، وقال بعض العلماء في قوله تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} قال: أخلصه وأصوبه. قيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لا يقبل، وكذلك إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً.