وتظهر روعة التربية في أن المحرم يحرم عليه الطيب ولبس المخيط والمحيط وإزالة الشعر من جميع بدنه وتغطية رأسه وتقليم أظافره والجماع والمباشرة وعقد النكاح وقتل الصيد ما دام محرماً، وهي فترة يتدرب فيها المسلم على حبس النفس عن شهواتها وصرع سلطان الهوى، ليكسب في النهاية قوة العزيمة وشدة الشكيمة وصلابة الإرادة والخروج عن مألوف العادة وهي فترة قصيرة محدودة ولكن فيها من تهيئة الجو وشدة التركيز ما يجعل أثرها بعيد المدى في النفس البشرية فلا تكاد تنتهي حتى يتخرج المسلم وفي يده شهادة بالمغفرة وقبول عمله - إنه يحصل على نفس صافية وروح طاهرة وبصيرة مشرقة وسلوك قويم وأقدام مصفوفة وجهود مرصودة على طريق الحق والخير والجهاد.
وفي التلبية.. لبيك اللهم لبيك إجابة لداعي الله إجابة بعد إجابة وتجديدها ورفع الصوت بها عند تجدد الحالات دلالة على أنه يجيب داعي الله تعالى في كل الأوقات وعلى مختلف الحالات فلا يمنعه عنها بيع ولا شراء ولا شغل، فتلقاه يجيب على الدوام منادي الصلاة وداعي الجهاد، ويبادر إلى كل عمل فيه صلاح لدينه ودنياه.. وهكذا ينبغي أن يكون المسلم سباقاً إلى المكرمات نهاضاً إلى كل ما يكسبه شرفاً وذكراً حسناً، وشعائر الإسلام وعبادته لا تألو جهداً في تأصيل هذه القيم الرفيعة في نفس المؤمن تذكره بها من وقت لآخر وتمده بها على طول الزمان كأنها محطات منصوبة على الطريق تمد المسافر بالوقود ليواصل المسير، ويقوم بالأعباء، ويحلق بركب المكرمات.
في الإحرام والتلبية إعلان بصوت عال عن حقارة الدنيا وخفة وزنها في نظر المسلم وميزانه الدقيق، وأنها أضعف من أن تستعبده أو تصرفه عن تلبية نداء ربه، وأنها موضوعة في يده لا في قلبه، وفي مقدوره أن يضعها تحت قدميه، ويجعل صوتها الناعم دبر أذنيه.