وفي الحج تتجلى المساواة في أبهى حللها وأسمى معانيها، فإن تباعد المسلمون دياراً، واختلفوا ألسنة وألواناً فهاهم متساوون في زيهم وتلبيتهم وطوافهم وسعيهم ووقوفهم ورميهم وفي المباح وفي المحظور، لا فرق بين أحمر وأسود ولا بين غني وفقير، ولا بين سوقة وأمير، وذلك أبعد للنفرة من النفوس، وأنقى للصدور من الإحن والأحقاد، وأدعى لها أن تتقارب وتتآلف، وترتفع عن حزازتها العميقة واختلافاتها القديمة، فيعودوا كما أمرهم الله تعالى إخواناً متحابين.
والمساواة في الإسلام ليست نصوصاً أو بنوداً فحسب كما هي عند بعض الأمم ولكنها واقع معاش يحياه الناس يذوقون طعمه، ويلمسون في المجتمع أثره، إن الناس في نظر الإسلام لا يتفاضلون بأشكالهم ولا بألوانهم. إنما محك التفاضل هو تقوى الله عز وجل فكل من يحمل قلباً تقياً، ويسلك مسلكاً سوياً، ويعمل عملاً يفيد العباد والبلاد كان عند الله أكرم وبفضله أجدر ولرحمته أقرب قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[١١] .
وإذا نظرت إلى العبادات في الإسلام نظرة فاحصة، وجدتها معرضاً رائعاً للمساواة في أقصى معانيها وأسمى أبعادها ومراميها ليست هناك عبادة خاصة بالملوك وأخرى لا تليق إلا بالسوقة، إنما هي شرع واضح كالشمس في رابعة النهار مبذول للجميع والكل في سواء أعظمهم أجراً وأرفعهم مكانة من تمسك به واجتهد في، وعول أمره عليه يصرف النظر عن لونه أو جنسه أو مكانته.