وهكذا يقطع الفاروق رضي الله عنه الشك باليقين. في أسلوب يفيض بلاغة وبياناً وبايع الناس أبا بكر رضي الله عنهم جميعاً.
وبعد وفاة الصديق سمع الفاروق أناسا يفضلونه عنه. فأبى ذلك ثم قال: لولا موقف أبين بكر يوم الردة ومنع الزكاة، لردت إلى التاريخ دولة المسلمين.
وعندما تولى الخلافة رضي الله عنه قال في بلاغة وتواضع:
ما كان الله ليراني أرى نفس أهلا لمجلس أبي بكر ثم نزل عن مجلسه مرقاة ثم قال:.. أيها الناس إني قد وليت عليكم. ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم. وأقواكم عليكم وأشدكم استضلاعاً بما ينوب من مهم أموركم. ما توليت ذلك منكم. ولكفى عمر مهما محزنا انتظار موقف الحساب بأخذ حقوقكم ووضعها في مكانها. فربي المستعان فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده.
وهذا أسلوب سهل مطبوع لا التواء فيه ولا غموض. ولا هو بالمتكلف الممجوج.
وقديما قال النقاد: إن خبر القول ما كان معناه إلى قلبك أسرع من لفظه إلى سمعك [٩] .
ويقول الحاحظ: أحسن الكلام. ما أغناك قليله عن كثيره. وما كان معناه في ظاهر لفظه. فهو الذي يصنع في القلوب صنيع الغيث في التربة.
وعلى هذا النمط رأينا عمر يقول لقواد المسلمين: اسمعوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشركوهم في الأمر ولا تجهدوا مسرعا فإنها الحرب والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة والكف.