وقال لسعد بن أبي وقاص: ترفق بالمسلمين في مسيرهم. ولا تجشمهم سيرا يتعبهم.. حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم. وإذا وطئت أرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم. ولا يخف عليك أمرهم. وليكن عندك من تطمئن إلى نصحه وصدقه. فإن الكذوب لا ينفع خبره وإن صدقك في بعضه. والناس عين عليك وليس عينا لك. ولا تبعثن سرية ولا طليعة في وجه تتخوف منه غلبة أو ضيعة أو نكاية. فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك. واجمع إليك مكيدتك وقوتك. ثم لا تعاجلهم المناجزة ما لم يكرهك قتال حتى تبصر عورة عدوك ومقاتله. وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها فتصنع بعدوك كصنعه بك.
وآمرك ومن معك أن تكنوا أشد احترسا من المعاصي منكم من عدوكم. فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح.. فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها. كما ابتلوا بالصبر عليها. فما صبروا لكم فتولوهم خيرا. ١ هـ.
وكان يقول للمجاهدين. قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. ولا تمثلوا عند القدرة ولا تجبنوا عند اللقاء. ولا تقتلوا هرما ولا امرأة ولا وليدا، وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان وعند شن الغارات.
وبهذه الدراية الواسعة بالحرب فتح الفاروق العراق والشام ومصر وأرمينية وكل امبراطورية فارس حتى قيل أن الرقعة التي فتحها لو تمت لعشرة خلفاء في عشرة أمثال خلافته لعدوا من الفاتحين. وكانت توجيهاته مصوغة بعبارات مسبوكة محبوكة ملؤها البالغة وسحر البيان.
وفي صيانته للأسرة المسلمة نراه يقول لرجل أزمع الطلاق لأنه لا يحب زوجته: ويحك ألم تبن البيوت إلا على الحب فأين الرعاية وأين التذمم [١٠] .
وهكذا تبدو توجيهاته السديدة في الأمور الصغيرة والكبيرة.