أجل يا سيادة الدكتور إن الذي أمر إبراهيم بإقامة البيت وحدد له مكانه في قلب بلاد العرب، بل في سرة الدنيا كلها، كما ثبت بالكشف العلمي إنما هو الله الذي جعل من الحج إلى هذا البيت معجزة الأيد، يتلاقي حوله البشر من كل فج عميق، ليتذكروا في ظله أصلهم الذي حجبته العصبيات ويستعيدوا في رحابه وحدتهم التي مزقتها الشهوات، وما كان إبراهيم سوى منفذ لمخطط وضع للناس من فوق سبع سموات.
جـ ـ فإذا ما انتهى البحث إلى ذكر المسيح عليه السلام فاجأنا الكاتب المفضال بادعاء آخر لا يقل غرابة عن سالفه.
يقول الدكتور تحت عنوان (موقف اليهود من المسيحية) بعد هذا تظهر أكبر هزة في تاريخ اليهودية مع ظهور السيد المسيح. والعمل الذي عمله المسيح، وجربه على نفسه كراهية اليهود جميعاً هو أنه أمر حوارييه أن يبشروا بشريعة الله بين الأمم الأخرى ... وكانت هذه أول مرة يكسر بها عيسى بن مريم الإتفاق الذي تم بين كهنتهم على احتكار الدين [٣] .
ويريد الدكتور باحتكار الدين قصر رسالة موسى على بني إسرائيل وحدهم وهو أمر يبرىء منه موسى لأنه يعتبر دعوته عالمية، بدليل (أنه قام في وجه فرعون، ودعاه إلى الإيمان بالله الواحد [٤] .
ومن أجل ذلك يرى الدكتور في عمل السيد المسيح خروجاً بالدعوة من نطاق بني إسرائيل الاحتكاري إلى المنطلق العالمي.
وأقل ما يقال في مثل هذه الآراء أنه لم يرجع فيها إلى وحي ولا علم، وكان أحرى بمثله أن يتذكر بالأقل أن الموضوع فوق مستوى التظني، لأنه من متعلقات الرسالات الإلهية، فلا علم لأحد بها إلا عن طريق الخبر المعصوم.
والمعلوم بالضرورة لدى أهل التحقيق أن كل رسول إنما كان يبعث في قومه مقصوراً عليهم، يستوى في ذلك موسى وعيسى وسائر إخوانهما النبيين لم يستثن من هذه القاعدة سوى خاتمهم محمد عليه وعليهم صلوات الله وسلامه أجمعين..