وإنما اقتضت مشيئة الحكيم العليم جل جلاله أن يراعي في رسالاته أحوال عباده، فكان كل نبي يبعث في قومه مصدقاً رسالة السابقين والمعاصرين واللاحقين من إخوانه، لا تختلف رسالة أحدهم عن رسالة الآخر إلا بما يخص به الله الأقوام من تشريعات تيسر لهم سبيل الخير، وتضعهم على المحجة التي تحميهم منن بغي بعضهم على بعض، وبذلك يقتربون تدريجياً من الصيرورة إلى التعارف الذي يضيق مسافة الخلف، حتى إذا أظل عهد الرسالة الخاتمة كانت البشرية قد أصبحت مؤهلة للتلاقي على الوحدة العالمية.
ولو رجع الدكتور الفاضل إلى أسفار أهل الكتاب عتيقها وجديدها- لرأى هذا الحقيقة ماثلة في العديد من النصوص، وليقرا هناك في إنعام تصريح السيد المسيح بأنه إنما بعث لخراف بني إسرائيل الضالة. فهو إذن إليها أرسل وإياها يدعو..
على أن هذا لا ينافي أن يقوم النبي بتبليغ بعض الأقوام من غير أمته إذا رأي فيهم بعداً عن مهيع أنبيائهم السابقين، وبخاصة في ما يتصل بأصول الدين التي بعث الله بها أنبياءه جميعاً. لأن إهمال مثل هؤلاء مؤد إلى شيوع مفاسدهم في المجاورين لهم.. ومن هذا القبيل قصة الرسل المذكورة في سورة ياسين على مذهب من المفسرين بأنهم موفدون من قبل المسيح بن مريم عليه السلام.
وأما الاستدلال بدعوة موسى عليه السلام فرعون على عالمية رسالته فليس بشيء، لأن موسى مواطن في بلد فرعون، فكل سكان ذلك البلد قومه، وقد رأينا يوسف عليه السلام من قبله يعرض الإسلام على نزلاء سجنه لأنه موجود بين ظهرانيهم، فلا عذر له في السكوت على هدايتهم.